خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 14 من رجب 1442هـ - الموافق 26 / 2 / 2021م
شُكْرُ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ نِعَمَ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ كَبِيرَةٌ، وَآلَاءَهُ عَلَيْهِمْ كَثِيرَةٌ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا[ [إبراهيم:34]، وَهِيَ نِعَمٌ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ، ] وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً[ [لقمان:20]؛ وَلَقَدْ خَصَّ سُبْحَانَهُ الْبَشَرِيَّةَ بِمَزِيدِ النِّعَمِ، فَكَرَّمَهُمْ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[ [الإسراء:70]، وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ هَذِهِ النِّعَمِ: نِعْمَةَ الْهِدَايَةِ إِلَى الإِيمَانِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[ [الحجرات:17].
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ بِالشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ]فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ[ [البقرة:152]. وَقَالَ تَعَالَى: ]بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[ [الزمر:66] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[ [البقرة:172].
وَلَقَدِ امْتَثَلَ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذِهِ الْأَوَامِرَ؛ فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَاوِمًا عَلَى الطَّاعَةِ شَاكِرًا لِلَّهِ عَلَى أَنْعُمِهِ؛ فَعَنِ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَهَكَذَا كَانَ أَنْبِيَاءُ اللهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ فَوَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: ] إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[ [الإسراء:3].
وَأَثْنَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ [النحل:120-121].
وَالشُّكْرُ- يَا عِبَادَ اللهِ- يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: بِالِاعْتِرَافِ بِالنِّعَمِ بَاطِنًا، وَ بِالتَّحَدُّثِ بِهَا ظَاهِرًا، وَ بِتَصرِيفِهَا فِي طَاعَةِ اللهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ –رَحِمَهُ اللهُ-: الشُّكْرُ ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَعَلَى قَلْبِهِ شُهُودًا وَمَحَبَّةً، وَعَلَى جَوَارِحِهِ انْقِيَادًا وَطَاعَةً.
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ فَشُكْـــرُ الإِلَهِ يُزِيلُ النِّقَــمْ
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
لَقَدْ وَعَدَ اللهُ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ؛ فَالشُّكْرُ سَبَبٌ لِدَوَامِ النِّعَمِ وَنَمَائِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[ [إبراهيم:7]، وَهُوَ أَيْضًا سَبَبٌ لِرَضَى الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا عَنْ عَبْدِهِ ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ[ [الزمر: 7].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ وَإِنْ قَلَّتْ سَبَبٌ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ تَعَالَى).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ أَجْرًا كَرِيمًا، وَأَعَدَّ لِمَنْ عَصَاهُ عَذَابًا أَلِيمًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِقْرَارًا بِهِ وَاعْتِرَافًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ عَصَاهُ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ أَكْرَمَهُ وَأَوْلَاهُ؛ ]وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا[ [الفتح:17].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
نَسْتَذْكِرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نِعْمَتَيْنِ أَنْعَمَهُمَا اللهُ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، إِنَّهُمَا نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وَمِنَّتَانِ كَرِيمَتَانِ، نِعْمَةُ الِاسْتِقْلَالِ وَنِعْمَةُ التَّحْرِيرِ مِنْ بَطْشِ الطُّغَاةِ الْغَاشِمِينَ وَكَيْدِ الْغَادِرِينَ، فَسَخَّرَ لَنَا الْمَوْلَى الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ حَتَّى رَدَّ لَنَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ سُبْحَانَهُ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ أَنْ نُرَاقِبَ اللهَ فِي هَذَا الْوَطَنِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ، وَأَن لَّا نَبْطَرَ أَوْ نَسْتَعْلِيَ عَلَى أَحَدٍ، وَأَنْ نَبْتَعِدَ عَنْ مَظَاهِرِ الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ، وَإِنَّ مِنَ الشُّكْرِ أَيْضًا: أَنْ نَعْمَلَ فِي خِدْمَةِ هَذَا الْوَطَنِ، وَأَنْ نَجْتَمِعَ حَوْلَ وُلَاةِ أُمُورِنَا، وَأَنْ نُحَافِظَ عَلَى أَمْنِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ.
وَاحْرِصُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- عَلَى الْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الاحْترَازِيَّةِ، كَلُبْسِ الكِمَامَاتِ، وَتَعْقِيمِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمِ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مَوضُوعٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَإِحْضَارُ كُلِّ مُصَلٍّ سَجَّادَتَهُ مَعَهُ إِلَى المَسْجِدِ ثُمَّ رَدُّها مَعَهُ إِلَى البَيتِ، وَعَدَمُ الاقْتِرَابِ مِنَ الآخَرِينَ أَثْنَاءَ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَاحْفَظِ اللَّهُمَّ بَلَدَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، وَشَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ, إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة